تختفي أشجار الغابة النفضية المعتدلة أو الغابة المختلطة في العروض المعتدلة و داخل القارات لتعوض إلى الجنوب من خط عرض 50°ش بامتدادات شاس...
تختفي أشجار الغابة النفضية المعتدلة أو الغابة المختلطة في العروض المعتدلة و داخل القارات لتعوض إلى الجنوب من خط عرض 50°ش بامتدادات شاسعة عشبية تسمى البراري، و يمتد مجالها بالخصوص في لنصف الشمالي من الكرة الأرضية ليشغل امتدادات واسعة جدا في السهول الكبرى و المنخفضات الداخلية الكبرى بكل من أمريكا الشمالية و أوراسيا. و يتطابق مجالها مع المناخات المعتدلة القارية التي تتميز بشتاء قارس و صيف حار
تنخفض درجات الحرارة عن 0°C خلال فصل الشتاء، و يمكن للجمد أن يقع في معظم الشهور باستثناء شهر يوليو (7) الحار. و تعرف درجات حرارة فصل الصيف ارتفاعا كبيرا يتزامن و تساقطات مطرية غزيرة مما يوفر ظروفا مناخية ملائمة لنمو نباتات البراري.
و تتكون البراري بصفة خاصة من نباتات عشبية معظمها ينتمي إلى النجيليات و نادرا ما تظم بعض الشجيرات، فإذا استثنينا الحزام الغابوي الذي يمتد على طول الأودية فإن البراري هي تشكيلة قصيرة بدون أشجار.
تشكل النجيليات الجزء الأكبر الذي يبرز على السطح كما أنها تهيمن أيضا داخل التربة بواسطة شبكة قوية جدا من الجذور المتشابكة خاصة في الجزء السطحي من التربة، كما تمتد نحو الأعماق جذور متعددة لكن بكثافة أقل.
إن هذا الجهاز الجذري المتشابك يشغل التربة بشكل جيد و يحول دون إمكانية استقرار بذور الأشجار كيف ما كانت الظروف المناخية.
و على مستوى السطح لا تسمح النباتات العشبية بنمو الأشجار لأنها تشكيلة مغلقة تستفيد بطريقة فعالة من الأمطار مباشرة بعد سقوطها إذ يتم امتصاصها بواسطة شبكة الجذور القوية في التربة.
و تعيش نباتات البراري لمدة طويلة تتراوح ما بين 10 و 20 سنة، على أن أشكال البراري متعددة وترتبط أساسا برطوبة المناخ أو جفافه، و عادة ما يتم التمييز بين البراري ذات الأعشاب الطويلة (قامة النبات تتعدى 1.5 متر) و تميز المناطق التي تتلقى كميات مطرية غزيرة في السنة (تفوق 700 ملم)، ثم البراري التي تتميز بأعشاب قصيرة لا تتعدى 0.4 متر في المناطق الجافة حيث حجم التساقطات السنوية يقل عن 500 ملم.
كما تتغير أشكال البراري حسب الظروف المناخية فإن تربتها متنوعة أيضا، و جميع أنواعها تنتمي إلى فئة التربة الكالسية calcimorphe و التي تتميز في بعض الأحيان بتكون تعقدات كلسية قد تكون متواصلة في الآفاق العميقة من التربة و يمكن أن نميز بين نوعين من التربة في البراري:
- تربة البراري ذات الأعشاب الطويلة: و هي تربة سمكة يوفر لها الغطاء النباتي مادة عضوية كثيرة، كما أن التساقطات الغزيرة تغذي الفرشاة المائية مما يجعل الآفاق العميقة من التربة رطبة، و يساعد على غسل الآفاق السطحية منها و تراكم الطين في أعماقها، و يتم استغلال مجموع قطاع التربة بواسطة الجذور المتكاثفة كما يساعد غنا التربة بالمادة العضوية على وجود و نمو وحيش مجهري و البكتريا و تمعدن المادة العضوية بسرعة مما يجعل تربة البراري ذات الأعشاب الطويلة تربة جيدة عميقة، غنية بالذبال و تتميز ببنية و تهوية جيدتين.
- تربة التشيرنوزيوم في البراري ذات الأعشاب القصيرة: و تميز المناطق التي يقل فيها حجم التساقطات السنوية عن 500 ملم، حيث تختفي عملية الغسل تماما، لكن نسبة المادة العضوية تظل عالية في التربة. و تتميز هذه التربة (التشيرنوزيوم) بتجانس قطاعها، على أن بعض العناصر القابلة للذوبان في الماء بسرعة قد تتحرك أيضا نحو أعماق التربة، كالأملاح مثلا و بعض الكربونات (خاصة كربونات الكالسيوم) . أما التعقدات الكلسية فهي تشكل أفقا متصلا لا تستطيع جذور النباتات العشبية أن تخترقه لصلابته الشديدة. وقد نجد بعض المناطق حيث الأعشاب تصبح قصيرة جدا و جذورها لا تنزل نحو الأعماق بسب تكون أفق من التعقدات الكلسية بالقرب من سطح التربة. و هذا ما يفسر العلاقات بين مناخ البراري و طبيعة التشكيلة النباتية و التربة التي تميزها على أن نسيج التربة يؤثر بشكل كبير على توزيع البراري و التي يقتصر نموها فوق التربة الدقيقة التي تتميز بقدرتها الكبيرة أو بإمكانية احتفاظها على أحجام كبيرة من الماء. على عكس التربة التي تتميز بنسيج خشن (نسيج رملي) و التي تلائم أكثر الشجيرات و الأشجار التي تمد جذورها في أعماق التربة.
المصدر:
(مقتطفات من محاضرات الاستاذ محمد لبحر)
تعليقات